كتاب كاتمة سر العذراء

المقدمة
أرسل البابا بيوس التاسع إلى القدس، عام
1848 ، بطريركًا شابًا عمره 34 عامًا،
اسمه "يوسف فاليرغا". كان يتمتع بشخصية فذة وذكاء حاد وخبرة واطلاع بشؤون الشرق، بسبب
خدمته الطويلة في العراق. وكانت مهمته إنعاش كنيسة القدس، لتؤدي دورها الروحي والاجتماعي
والثقافي، في أقدس بقعة من العالم.
وقد أنشأ رعايا جديدة، إلى جانب الرعايا التقليدية القائمة، والتي كان يخدمها بإخلاص أبناء
القديس فرنسيس الأسيزي. ودعت الحاجة إلى كهنه وراهبات من شبان هذا البلد وشاباته، لتأمين خدمة
الرعايا الجديدة. ولسمو هذا الهدف النبيل، أسّس البطريرك عام 1852 معهدًا كهنوتيًا، ما زال يؤدي
رسالته حتى هذا اليوم. وفي عهد خلفه، البطريرك براكو، شاهدت النور جمعية رهبانية عربية تحمل
اسم الوردية.

ونشأت رهبانية الوردية نتيجة جهود بشرية وتدخل سماو  ي في آن واحد. ذلك أن عدة فتيات
من القدس، عرضن الفكرة على الأب يوسف طنوس، أحد كهنة البطريركية اللاتينية، وقدمت له إحدى
راهبات القديس يوسف واسمها الأخت "ماري الفونسين" غطاس، مشروعًا جريئًا وواضحًا نال إعجاب
الكاهن. ووراء تلك المبادرة، كانت تقف السيدة العذراء التي ظهرت للام "ماري" عدة مرات وطلبت منها
إنشاء الجمعية الرهبانية نفسها.
وستجدون في هذا الكتاب مثالا بينًا، على أن الله تعالى يتدخل في تاريخ الإنسان، ليجعل منه
تاريخ خلاص، وستدركون هذا الأمر أثناء قراءتكم حياة الراهبة. التي شاركت في التأسيس، والتي يمكن
أن ندعوها حقًا: " كاتمة س  ر العذراء".
الفصل الأول
بنوك كفروع زيتون حول مائدتك
نروي لكم سيرة فتاة عربية من القدس اسمها "سلطانة" أبصرت النور في

الرابع من تشرين الأول عام
1843 كان والدها دانيل غطاس، رب أسرة تقية وممارسة للإيمان، عمل

نجارا ليأكل من عرق جبينه مع زوجته "كاترينا" وبناته الثلاث وأولاده الخمسة.
وكان يطيب له، بعد عودته مساء إلى البيت، في ختام يوم حافل بالعمل، أن يصلي المسبحة مع
عائلته وربما مع بعض الجيران، أمام تمثال السيدة العذراء، وكان يوقد لها الشموع ويحرق البخور.
أما زوجته فكانت مثالا في التقوى والنشاط والنزاهة والمواظبة على حضور القداس كل
يوم. وتميزت بصفات المرأة الفاضلة التي ورد ذكرها في سفر الحكمة. اعتنقت
بناتها الثلاث الحياة الرهبانية. وأصبح ابنها أنطون كاهنا للرب.لأميرة الصغيرة :
نالت "سلطانة" العماد بعد شهر ونصف من ميلادها ودعيت "مريم" وعاشت طفولة عادية لا
توحي بالنعم الخارقة التي ستنالها فيما بعد. إلا أن هذه الفتاة الصغيرة المؤدبة كانت أكثر حياء من
أخواتها وبقية رفيقاتها. لازمها هذا الحياء حتى مماتها، وتح  ول تدريجيا إلى تواضع عميق، جعل الناس

يحبونها ويقدرونها ولما كانت في الخامسة من عمرها، عام
1848 ، افتتحت راهبات القديس يوسف
أول مدرسة للفتيات في القدس، فأسرع الناس لتسجيل بناتهم، ومن بينهم أهل "سلطانة."
وفي سن التاسعة نالت "سلطانة" سر التثبيت مع

149 فتى وفتاة، وأصبحت أقوى من ذي قبل
في مواجهة صعوبات الحياة والعيش وفقا للإنجيل.
وكم تأثرت عندما شهدت حفلة دينية في كنيسة المدرسة وسمعت غبطة البطريرك فاليرغا يبارك
اثنتين من زميلاتها الكبار وهو يضع على رأسيهما الوشاح الخاص بطالبات الرهبانية قائلا: " إلزما
الأمانة فأنتما أول المدعوات إلى الحياة الرهبانية في هذه المدينة المقدسة وستقتفي أثاركما فتيات
أخريات

.
وكانت " سلطانة " تنظر إلى زميلتيها بإعجاب. فقالت في نفسها: "وأنا أيضا أريد أن أصبح راهبة".
صعوبات في الطريق
كان على كل شابة تريد الترهب، أن تغادر الوطن إلى فرنسا لمتابعة الدراسة. وكان ركوب البحر
مجازفة كبيرة، وكان الذهاب إلى الغرب تحديا لتقاليد العائلات المسيحية في القدس. وخشيت "سلطانة "
أن تكاشف والديها بدعوتها الرهبانية، لعلمها المسبق بالجواب. وعندما أنهت دروسها، كان لا بد من
طرح الموضوع، لتقرير مصيرها قبل أن يطلب أحد يدها للزواج. ولما علم والدها برغبتها، رفض
فكرتها رفضا باتا لا رجوع عنه. فأخذت تصلي إلى العذراء بحرارة، علَّ والدها يتراجع عن قراره

.
العذراء تتدخل
وأثبتت العذراء أنها جديرة بتلك الثقة. فذات يوم، كان والدها النجار ممسكا زجاجة سائل سريع
الاشتعال، أفلتت فجأة من يده، وتلقتها النار، فانفجرت في وجهه ويديه. ولم ينج من الموت إلا
بأعجوبة. وك  رست سلطانة وقتها لخدمة والدها، ومنحته من عنايتها واهتمامها، ما تعجز عنه أفضل
الممرضات. وكان دانيل يقول لنفسه أثناء لياليه الطوال: "ربما أرادت السماء أن تقتص مني لإعراضي
عن تلبية رغبة ابنتي". وكان هذا الوالد سخيًا أضعاف ما كان عنيدا. وسألته مرة بأدب: "يا أبت، إذا
مّنت عليك العذراء بالشفاء، أفتسمح لي بدخول الدير؟". فأجاب: "لقد فعلت، لأني وعدت العذراء بأن
أمنح أبنائي الحرية في دخول الدير إذا شاؤوا ذلك".
الفصل الثاني
على خطى المسيح
دخلت سلطانة الدير وسمح لها رؤساؤها بشكل استثنائي أن تجتاز مرحلة الابتداء في القدس

بدلا من فرنسا. وفي عام
1860 لبست الثوب الرهباني على جبل الجلجلة، وصار اسمها الجديد
"الأخت ماري الفونسين" دلالة على بدايتها حياة جديدة، الا أننا سنسميها "الأخت ماري" أو "الأم ماري"
على سبيل الإختصار. وشرعت تدرس قوانين الرهبانية وروحانيتها وتتأمل في سر الفداء، وتكثر
من الصلاة والمطالعات الروحية. وكانت سعيدة كلما ذهبت للصلاة إلى كنيسة القيامة. وعلى
الجلجلة أبرزت نذورها الرهبانية. وخلال الاحتفال ق دم لها البطريرك صليبا، علقته على
صدرها، علامة تكرسها للمسيح. ولم تتخلَّ عن هذا الشعار حتى مماتها

.
ولما أطل العام الدراسي الجديد  عينت الأخت "ماري" معلمة التربية الدينية لجميع صفوف
المدرسة. ونجحت أيما نجاح في جعل طالباتها يحببن الله والقريب، وكان لا بد لمن ينظر إليها وهي
تصلي أو يسمع إليها وهي تتحدث عن العذراء من أن يقع تحت تأثيرها، فلا يمل الإصغاء إليها

وكانت تجمع بعد الدوام المدرسي صفوة طالباتها للصلاة، والتأمل وأخذ المقاصد العملية. وأطلقت
على الفرقة اسم "أخوية الحبل بلا دنس" وأ  سست فيما بعد فرقة مماثلة للسيدات.
في جوار المهد
وجاءها أمر الإنتقال إلى بيت لحم. وكانت رعيتها أكثر أهمية من رعية القدس، وفيها مدرسة
مزدهرة. وأظهرت في الموقع الجديد النشاط المتوقع منها، ونجحت مع طالباتها، وأنشأت لهن فرقة
مماثلة لما أنشأته في القدس. وكانت تجتمع به  ن في المدرسة أو في مغارة الحليب
.

وكانت غرفة التدريس محور نشاطها الرئيسي، لأنها أدركت أن عقول الصغار أكثر مرونة من الكبار
لقبول حقائق الدين، وأن قلوبهم أكثر براءة وطهارة. وهم يحبون الله ويخدمونه بعفوية أعظم. وفي
مقدور المربي الحاذق أن يغرس فيها بذور الفضيلة كما يشاء
.

الفصل الثالث
أمينة سر العذراء
كانت الأخت "ماري" تشعر برغبة كبيرة تدفعها إلى زيارة القربان الأقدس كلما استطاعت إلى
ذلك سبيلا. وفي الكنيسة كانت تفحص ضميرها عن النهار الذي مضى وتجدد مقاصدها أو تصلي
المسبحة.
وفي يوم عيد الغطاس عام
1874 ، وبينما كانت تصلي البيت الخامس من أسرار الحزن في
كنيسة المدرسة، تر ّ كز تفكيرها على العذراء أم الأوجاع، وشعرت أن قلبها أصبح شعلة تضطرم بحب
البتول، وتجّلى لها بغتة نور به  ي، وظهرت وسطه العذراء القديسة باسطة يديها. شاهدت الأخت "ماري"
على صدرها صليبًا تتدلى منه مسبحة دائرية، تمر من وسط يديها الممدودتين وتنزل حتى أسفل ثوبها.
وكان يتلألأ على رأسها تاج مرصع، بخمس عشرة نجمة. وعندما ه  مت الأخت "ماري" الاقتراب من
العذراء فقدت حوا  سها، وبقيت على تلك الحالة من الساعة التاسعة صباحًا حتى الواحدة من بعد الظهر.
ول  ما أفاقت، وجدت نفسها في حالة هدوء وتعزية روحية فائقة الوصف، ورغبة شديدة في ممارسة
الخيروالتقشف.

منى ليك

» ليله عيد السيده العذراء
» قصة اكتشاف زنار السيدة العذراء
» فيلم عن السيدة العذراء للموبايل
» لعبة وحدوتة ـ العذراء المطيعة
» حياة السيدة العذراء مريم